الأربعاء، 22 أغسطس 2012

الصراط المستقيم

بسم الله الرحمٰن الرحيم 
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
صدق الله العظيم

نقرأ سورة الفاتحة على مدار اليوم سبعة عشر مرة في الصلوات المفروضة ناهيك عن السنن، ولا تصح صلاتنا بدونها. اذا نظرنا في بداية هذه السورة فسنجد أننا نحمد الله ثم نؤكد على ألوهيته ثم نعترف بعبادته والاستعانة به ثم ننتهي بطلب الهداية للصراط المستقيم.

اذا فما هو هذا الصراط المستقيم؟
هناك من فسر الصراط المستقيم انه طريق نمر عليه يوم القيامة للجنة، وهناك من فسره انه طريق الاستقامة في الحياة الدنيا، وانا أُرَجح هذا التفسير، فالصراط المستقيم بالنسبة لي هو الطريق المؤدي لرضوان الله، فسبب خلق الله للانسان هو توحيده وعبادته  في المقام الأول لقوله تعالى:  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ " (سورةَ الذاريات/ الآيتين 56و57)
ثم عمارة الأرض وخلافته فيها (هذا بعد خروج ادم من الجنة ونزوله للأرض)

بعد تلك المقدمة نأتي للشق الأهم،

اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ

لو نظرنا لتلك الايتين سنجد فيهما معاني كثيرة! أولها طلب الهداية ثم تصنيف الناس الى ثلاثة أنواع مُنعَم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالين

فمن هم المُنعَم عليهم؟
المُنعَم عليهم هم الانبياء والرسل الذين بعثوا برسائل وديانات تصب كلها في مضمون واحد الا وهو الوحدانية لله، ثم انتهت الرسالات مع اخر رسول بعث بالدعوة للاسلام وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويأتي مع المُنعَم عليهم اولئك الذين اتبعوا الرسل على نفس خطاهم ونهجهم

فببعثة سيدنا محمد ودعوته للإسلام جعل الله منه نموذجا ليحتذي به المسلمين ويسلكوا نفس دربه  (الصراط المستقيم ) ومن هنا نستنتج من هم المغضوب عليهم

فمن هم المغضوب عليهم؟
المغضوب عليهم اولئك من حرفوا نهج الرسول وشتتوا الأمة في مناهج وفروع وانقسامات لا أول لها ولا اخر، تُبين الايات في قوله تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (سورةَ البقرة/ الآيات من 165-167)
أجمع المفسرون على اتخاذ فريق من الناس من دون الله أصنامًا وأوثانًا وأولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى، ويعطونهم من المحبة والتعظيم والطاعة، ما لا يليق إلا بالله وحده، واذا اسقطنا هذه الاية على واقعنا الحالي أو على التاريخ في ما بعد وفاة الرسول سنجد فِرَقاً من هؤلاء الأولياء وتابعيهم! فمنهم من اجتهد في العلم حتى مماته وبعد أن مات تحول الى ولي وإمام ومنهم من نصب نفسه إماما وجمع حوله أتباع ومريدين
وفيما يلي تصور لخط زمني تخيلت فيه نهج الرسول عليه الصلاة والسلام كالصراط المستقيم وكيف تكونت الجماعات وخصت كل جماعة نفسها بفكر لم يأتي بجديد عن منهج الرسول ولكن شق الوحدة التي دعا اليها محمد عليه الصلاة والسلام! ملحوظة عدد المثلثات هو عدد رمزي لا يمثل العدد الحقيقي للجماعات أو التيارات الفكرية أو الطرق الدينية.



وكما هو مبين في الرسم هناك عدة مراحل للمنهج النبوي وفيما يلي شرح لكل مرحلة

مرحلة ما قبل نزول الوحي
هذه المرحلة وكما نعرف أن محمد عليه الصلاة والسلام ومنذ ولادته اتصف بصفات اخلاقية حميدة حتى كبر وكان بين قومه يلقب بالصادق الأمين، فقد اهداه الله الصراط المستقيم لتهيئته لحمل الرسالة.

مرحلة ما بعد نزول الوحي
هي نفس مرحلة ما قبل الاسلام لكن زاد عليها نزول الوحي وجاء الاسلام ليأتي بأوامر وقوانين من الله ليلتزم الناس بها فيهديهم الصراط المستقيم، وجعل الله من حياة الرسول نموذج مثالي ليأخذ به الناس في حياتهم ان كانوا يريدون من الله أن يهديهم الصراط المستقيم

مرحلة الخلفاء الراشدين
في هذه المرحلة حافظ الناس على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام كما هو، إلا في أواخر تلك الحقبة وفي رأيي بدأ التشتت

مرحلة الخلافة الاسلامية
هي مرحلة الانشقاق الفعلي لكل تيار والتفرق، كلٌ في جماعة لها ولي وتابعين، وفي رأيي من أسباب هذه الانشقاقات والتفرعات هي الخلافات الفقهية التي حدثت في بداية هذه المرحلة، وألوم في هذا الائمة الاربعة! أجل انا اراهم ملامون وإن كان هذا الاختلاف عن قصد منهم أو بغير قصد فكل إمام قرر أنه الأصح في فتواه وحتى ان كانت الاختلافات الفقهية بينهم ليست جوهرية ولكن على الأقل هم من فتحوا باب الاختلاف الفقهي والذي نعاني من ويلاته اليوم، فكما هو موضح بالصورة، سنجد أن كل مثلث يمثل فكر، رأس المثلث هو امام الفكر وقاعدة المثلث تعبر عن التابعين لفكر هذا الامام.

مرحلة مابعد انهيار الدولة الاسلامية
هي مرحلة تطور بعض التيارات الدينية المبنية على أسس ومرجعيات فقهية ثم تفرعت لينبثق منها جماعات وتيارات ذات طابع ديني ولكن بتوجه سياسي، سواء تكفيري أو جهادي وما الى ذلك من فكر،نشأت تلك التيارات أغلبها لأسباب سياسية وقررت أن تضع امامها حائل بينها وبين صاحب المنهج الأوْلى بالانتماء له وهو رسول الله بل وصلت بعض تلك الجماعات الى تأليه امامها لتجعل منه ندا لله، وهؤلاء من قال فيهم الله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ

سيأتي حتما ذلك اليوم الذي يتبرأ الأئمة ممن اتبعوهم! اولئك هم المغضوب عليهم، هؤلاء من نطلب يوميا من الله أن يهدينا الصراط المستقيم ولا ان نكون منهم!

مرحلة النهاية
تلك المرحلة مبهمة لا يعلمها الا الله وحده، إما انهيار كل الكيانات والجماعات ليرجع الدين على نهج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كما بدأ وتحت راية واحدة هي الاسلام لا تحت راية فصيل بعينه، أم سينهار الدين الاسلامي نفسه بسبب التطرف الفكري لتلك الجماعات مما حاد بها عن الصراط المستقيم وينتهي بهم المطاف ليكونوا من الضالين! توصلنا تلك النتيجة لنعرف من هم الضالين.

فمن هم الضالين؟
الضالين هؤلاء من حادوا عن الصراط المستقيم أو نهج الرسول صلى الله عليه وسلم تماما، هؤلاء اختاروا صراطا اخر غير ما نطلبه من الله عز وجل ولا يشترط أن يكونوا ممن يَدينُون بديانة اخرى غير الاسلام فكم من أناس يدينون بالاسلام وهم بعيدي كل البعد عن المنهج الصحيح! أولئك قال تعالى فيهم: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (سورةَ الكهف/ الآيات من 103-106)
وكما نرى لم يحدد الله أي ديانة أو رسول بعينه بل عمم على كل من استهزأ بآياته ورسله أجمعين. اذاَ بكل دين من هم ضالين، نخص بالذكر هنا المسلمين الذين ضلوا عن الصراط المستقيم.

ملخص ماسبق:
منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام بالإسلام كانت رسالته هي التوحيد، أي على كل مسلم أن يقر بوحدانية الله سبحانه وتعالى، تبدأ بنطقه للشهادة ثم يقضي حياته كلها مخلصا لله في كل أفعاله. ثم تأتي السنة النبوية كنموذج مثالي ومرجعي للمسلم ليستقيم في عبودية الله فيرزقه الله ويهديه الصراط المستقيم، ولكن هناك فرق بين أن تسير على نهج الرسول كنموذج لحياتك وأن تخص فكر أو منهج منبثق من المنهج الأصلي ثم تعطي له وصفا أو مسمى حتى اذا سُئِلت عن مرجعيتك فتقول انا سلفيا أو اخوانيا أو صوفيا أو...أو...أو...أو! ما جدوى تلك المسميات ولِمَ؟ وأيا منها الصحيح؟ أنا ارى انه أيا من تلك المسميات ليس بصحيح أصلا! فكيف لرسول اتى ليوحد الناس على دين واحد ونهج واحد فيتفرق هؤلاء الناس في كيانات كل منها يدَّعي انه الأصوب وعلى الحق وأنه على الصراط المستقيم (حتى وإن ادعى البعض منهم أنهم ليسوا مختلفين في الفكر عن باقي المخالفين لهم، بل انهم يتظاهرون بالاتفاق وفي انفسهم يضمرون الاختلاف البين عن بقية الجماعات الاخرى)! هل الانشقاق في سُبُل عِدة هو المقصد أم هو سبيل واحد وصراط واحد؟ 

كل ما اتمناه أن يأتي اليوم الذي ترجع الأمة الاسلامية الى منهج واحد وفكر واحد دون أي مسميات أو تعريفات غير الاسلام دين والسنة النبوية لاتقبل التقسيم أو احتكارها من أي فصيل كان، وان كان للعلماء اجتهادات فقهية فلا يُنَصَبوا مشايخ طرق أو قائدي جماعات!

ولله الأمر من قبل ومن بعد
ملحوظة: هذه المقالة ما هي الا رؤية شخصية لما آل اليه الاسلام من انقسامات

أحمد حمدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق